الكتاب: العقل و الوجود
تأليف: يوسف كرم
عدد الصفحات: 163
القسم: تنمية بشرية
نوع الملف: Pdf
حجم الملف: 8,7 ميجا بايت
عدد التحميلات : 164345
نبذة عن الكتاب:
كل مطلع على الفلسفة يعلم أن مسألة المعرفة هي المحور الذي تدور حوله مسائل الوجود، بمعنى أن حلول هذه المسائل تتعين تبعا للحل المرتضى لمسألة المعرفة، ففي تقديم هذه المسألة إظهار للأسباب الأولى التي حدت بكل فيلسوف على سائر آرائه، لما كانت المعرفة الإنسانية تتألف من مدركات تمثل الأجسام، أي مظاهرها المحسوسة؛ فكلما عرضنا لآراء الفلاسفة في هذا الكتاب اقتصرنا على إيجازها أو الإشارة إليها ما دام تفصيلها معروضا في تلك الكتب، وكلما أحلنا إلى هذه الكتب رمزنا إليها هكذا، مكتسبة بالحواس الظاهرة ومختزلة في المخيلة، ومن مدركات مجردة عن كل عرض محسوس ومكتسبة بما يسمى بالعقل، وكان الفلاسفة متفقين إجمالا على أن المعرفة العقلية (على تضاربهم في طبيعتها وقيمتها) أعلى من المعرفة الحسية وحاكمة عليها؛ انتهت مسألة المعرفة إلى أن تكون مسألة العقل.
فإذا أردنا أن نعرف العقل ريثما نقبل على دراسته بالتفصيل، قلنا إنه قوة في الإنسان تدرك طوائف من المعارف اللامادية، يدرك العقل أولا ماهيات الماديات، أي كنهها لا ظاهرها، ويدرك ثانيا معاني عامة: كالوجود، والجوهر والعرض، والعلية والمعلولية، والغاية والوسيلة، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة، والحق والباطل، ويدرك ثالثا علاقات أو نسبا كثيرة: كالعلاقة بين أجزاء الشيء الواحد، وعلاقات الأشياء فيما بينها، وعلاقات المعاني التي ذكرناها الآن، والعدد والترتيب، فهذه المدركات غير مادية، فلا ينفذ الحس إليها بحال.
وليست العلاقة أو النسبة موجودا واقعيًا، وإنما الموجود طرفاها، فإدراكها إدراك معنى غير مادي، ويدرك العقل رابعًا ما بدئ عامة في كل علم علم وفي العلوم إجمالًا، وليس في التجربة شيء عام، ويردك خامسا وجود موجودات غير مادية، كالنفس والله وخصائصها الذاتية، وذلك بالاستدلال بالمحسوس على المعقول أو بالمعلول على البادي للحواس على العلة الخفية عليها، وسادسا بالاستدلال أيضا يؤلف الفنون والعلوم، مما لا مثيل له عند الحيوان الأعجم مع حصوله على المعرفة الحسية.
من كتاب العقل و الوجود:
- " قلنا إننا لا ندرك الأشياء بجميع خصائصها وأعراضها دفعة واحدة، ولكننا ندرك الأعراض والخصائص شيئا فشيئا باستخدام حواسنا وإعمال الفكر، فنحلل الشيء إلى معان عدة ونحن نعلم أن هذه الكثرة متحققة فيه، فنردها إليه في قول يعلن أنها له، مثل قولنا: «سقراط فاضل»، ويسمى هذا تركيبا، وقد نخطئ فنضيف إلى الشيء ما ليس له، فإذا تبينا خطأنا عدنا فاستبعدنا عن الشيء تلك الإضافة في قول يعلن أنها ليست له، مثل قولنا: «ليس سقراط كافرا»، ويسمى هذا فصلا أو تفصيلًا باعتبار المقصود منه وهو الاستبعاد، ولكنه تركيب أيضا من حيث إنه تأليف بين معينين في صيغة سالبة."