كتاب عولة وجدان تأليف مجموعة مؤلفين تحت إشراف أمينة فرحات / بودربالة ملاك- Ebooks-Pdf
كتاب عولة وجدان تأليف مجموعة مؤلفين تحت إشراف أمينة فرحات / بودربالة ملاك- Ebooks-Pdf
بعض الأحيان نعاتب أنفسنا و هي ليست قادرة، نقنع قلوبنا بأشياء ليست معقولة أبدا، فنتوهم أن في هذه الحياة سنجد الراحة و السعادة الأبدية، ففي قلب كل منا غرفة مغلقة، نخاف طرق بابها حتى لا نبكي، فليس كل هادئ خالي من الهموم، و ليس كل صامت لا يبالي، ففي الصمت و الهدوء ألف حكاية و حكاية أكبر و أعمق من أن تصفها كل الكلمات، رواية عولة وجدان ليست مجرد رواية خيالية، فهي لمست الواقع حقا بكلمات سحرية، و سوف تلمس كيان كل بنت تعتقد أن (مطلقة) يعني نهاية الحياة، هذه الرواية قصة فتاة عشرينية نشأت و ترعرعت في وسط ضيق الحال و المال، تكبر فيه يوما بعد يوم، ثم تكتشف أنها تعيش مع أب غير أبوها الحقيقي، لم يتركها تكمل الدراسة ليزوجها في النهاية برجل لا ترغب بالزواج منه إطلاقا، أما باقي التفاصيل سوف تعرفونها بين زوايا هذه الرواية.
في تاريخ 7 من شهر أبريل 2017 عيد ميلادي العشرين، بمعنى مضى من العمر الآن 20 سنة كاملة، تقصدت ذكر هذا التاريخ لأنه ليس مجرد رقم يمر، بل بداية جحيم لحياة عشرينية أليمة، و في هذه اللحظة بدأت سلسلة أيامي التعيسة، نعم أيام فتاة عشرينية أحلامها محطمة كطائر مكسور الجناح، كنت مثل الأسيرة في البيت، لا يحق لي الخروج و لا المغادرة بأي صفة كانت إلا في حالة واحدة و هي أن أكون عروسا، لكنني لا أريد الزواج، هذا لأن أبي حتما سوف يزوجني من الشخص الذي يختاره هو لي، و في هذه الفترة كانت تأتي العائلات لتتقدم لخطبتي، لكن أمي كانت ترفض لأنها تعلم أنني لست قادرة لتحمل مسؤولية كالزواج و إنجاب الأولاد، لكن لم أتجرأ يوما أن أخبر أمي أنني أحتضر، ليس بالمعنى المجازي إنما أقصد ذلك حرفيا، كنت سأفصح لها عن كل الضوضاء التي كانت تحاصرني، لكن كالعادة أخشى عليها من الحزن .
في صباح داكن تجيش سماؤه بشمس مشرقة و نسمات باردة، و على تغريد العصافير امتزج ذلك الطرب بصراخ أبي، كالعادة كان ينادي أمي في ذلك الوقت، خرجت من الغرفة لأحاول معرفة ما يريده من أمي، لكن كانا داخل غرفة يتناقشان و لم أستطع معرفة ما يدور حولهم، حاولت سماعهم أكثر لكن لم أسمع إلا أنه يقول لها أقنعيها و إن لم تقنعيها فأنا لا أحتاجك لا أنت و لا هي هنا، بمعنى مصيركم الشارع، أسرعت إلى غرفتي محتارة ما الموضوع الذي يناقشه أبي مع أمي، و بينما أنا جالسة في الغرفة دخلت أمي و جلست بجانبي، و أمسكت بيدي بقوة و أخبرتني، يا حلوتي، يا ابنتي الغالية، يا سبب بقائي في هذا الجحيم ، لا أعلم كيف أشرح لك هذا الموضوع، كنت أتمنى أن يكون لدينا بيت آخر، أو مكان نذهب إليه، لو كان لدي لما عشنا تحت هذا الظلم و الحقارة، اليوم طلب يدك صديق لأباك، للحظة ضحكت ضحكة مدوية عالية، ظننتها تمزح لكن و يا أسفاااه، هذه هي الحقيقة، أسكتتني أمي و أكملت حديثها، أباك لديه صديق يساعده دائما يبلغ من العمر 30 سنة، طلبك من أباك اليوم و السبب أنه يدين له بمبلغ من المال، و أباك لا يستطيع إرجاع هذا المبلغ، لا أعلم يا ابنتي لماذا مكتوب علينا كل هذا الشقاء، فقلت لها، لكن يا أمي هذه جريمة في حقي، كيف سوف أتزوج رجلا يريدني بمجرد أنه يدين لأبي بمال، و أنا كنت أظن أنني سأتزوج من شاب صغير في العمر لكي أعوض ما عشته هنا، لكن للأسف أظن أن الحياة ستخذلني هذه المرة أيضا، في تلك اللحظة أحسست أن الوقت و الزمن توقفا في تلك النقطة بالذات، نظرت إلى أمي بعيون تملأها دموع ساخنة، لم تكن مجرد قطرات تنزل من العين، بل كانت كلمات و عبارات باكية، لم تجد حقا من يفهمها، كانت أمي تنظر لي نظرة شفقة و دمع يملئ عيناها، جمعت أنفاسي في برعم قلبي الصغير المنكسر الذي يملأه بريق الحياة الساخن ، في تلك اللحظة تمنيت أن تنشق الأرض و تبلعني، لكن كالعادة أستسلم لهذا الواقع المريب، وقفت لأعود لغرفتي كالعادة، فأمسكت أمي بيدي قائلة، يا غاليتي عليك بالتفكير و أن تواجهي هذه الحقيقة، فإذا لم توافقي فسوف يرميك أبوك في الشارع و يتبرأ منك، قمت بالصراخ عليها في ذلك الوقت، لكن ليس بيدي حيلة، تعبت، كرهت كل شيء، أظلمت حياتي، أنت لم تنجبيني لتفهمي شعوري، بل أنا فتاة ولدت و نشأت من رحم الشقاء، فكان كل حرف أخرجه دموع تسيل على وجهي، ليس علي أن أخجل من ذرف الدموع، فعيناي كانتا تختصران تاريخ العناء و الشقاء بنسبة لي، لوهلة قررت أن أنتحر و أتخلص من كل شيء، فكان أهون علي أن أتلقى عذابا من الله لانتحاري، أفضل بكثير من عذابي في دنياي هذه، لكن يأتيك كثير من الحزن مع كثير من الحكمة و المعرفة، لأعرف أن التصرف الذي كنت أفكر فيه حرام .
مرت أسبوع و أبي لم يفتح موضوع الزواج، لوهلة ظننت أنه نسي الموضوع، كالعادة نهضت صباح الجمعة لغسل الملابس و تنظيف البيت، فدخل أبي و تصادفت معه، ناداني باسمي ههه أظنها المرة الأولى أو الثانية التي يناديني فيها باسمي، أجبت بنعم، فرد علي، هل فكرت في الموضوع الذي أخبرتك عنه أمك، كنت أعلم أنه يقصد موضوع الزواج، لكنني تعمدت تجاهل الأمر فقلت له أي موضوع تقصد ، أجاب : أنا أتكلم عن عرض الزواج الذي قدمناه لك، عليك بالموافقة عليه لأنك سوف تتزوجينه غصبا عنك أو أنني سوف أرميك أنت و أمك في الشارع، في الأخير لدي ديون وعلي ردها، علي بيع المنزل و إذا كان أمر أمك المريضة يهمك فعليك الموافقة، و أنا على يقين أنك ستعيشين أميرة عنده لأنه يملك المال، تشابكت كل الأفكار في عقلي، لم أعرف ماذا أرد، في تلك اللحظة حياتي و مستقبلي في جهة، و أمي المسكينة في الجهة الأخرى، فلم يكن في وسعي الرد له سوى بكلمة ( إن شاء الله ) فقط، فضحك ضحكة سخرية و دخل للغرفة، جلست على كرسي المطبخ و أمي تنظر لي نظرة حزن و شقاء، مر ذلك اليوم و أنا أفكر حتى طلوع شمس الصباح، سمعته يستعد للخروج فتشجعت و أخبرته، حسنا سوف أطيعك يا أبي و هذا كله من أجل أمي، لكنني أحملك كل مكروه أعاني منه اليوم و غدا و كما أمرت بطاعتك فأنت مأمور بالرحمة بي، خاصة أنني ابنتك من لحمك و دمك لكن ما عسايا أقول حسبنا الله و نعم الوكيل، لم يعرف كيف يرد فحمل نفسه و خرج كعادته، و الله ضعت , ضعت , ضعت و يئست و ترددت و تململت و تذكرت و نسيت طعم السعادة، أمسى البكاء مبتذلا، ربما الدموع صارت تستحي من نفسها لا مجال، تمر الأيام و أنا في نفس الجحيم، و هكذا تمضي حياتي.
مقتطفات من كتاب عولة وجدان:
- " طرق أبي الباب ليخبرني أن العريس يريد أن يراني و يتكلم معي، بمعنى أوضح الرؤية الشرعية، يحق له طبعا رأيتي و التكلم معي على انفراد، أخذني الذهول و نظرت إلى أمي نظرت جامدة ممزوجة بالحياء، أمرت أمي الضيوف بالخروج و جلوس في غرفة الثانية لكي نبقى لوحدنا ثم أخذت أتمتم لوحدي، ما أشقاني و ما أسوء حظي.."
- " هل تعرفون؟ ، أنا لم أحيا كباقي البنات، لم أنهي دراستي و تحقيق ذاك الحلم البسيط، بل عشت بين أب قاس لم يستطع تحمل ابنة واحدة.."
- " ابتليت بك كل هذه السنين، كل ما استفسدته منك هو أن أزوجك لهذا الرجل الغني لأسدد ديوني، و اليوم جئتي لتنتحري و تفسدين كل ما خططت له ؟.."