رواية عودة الغائب تأليف منذر القباني- Ebooks-Pdf
رواية عودة الغائب تأليف منذر قباني- Ebooks-Pdf
كـان الهـدوء يعـم وادي نهـر الكلب في ذلك اليوم الصحو ، و الـصافية سـماؤه ، حتى إنه كان باستطاعة نجم الدين غول أن يسمع صوت خرير المياه المنبعث من الينابيع ، التي مر بها على بعد مئات الأمــتار، لم تكن الفريسة هذه المرة بالسهلة ، فبالرغم من أن مقدرة نجـم الـدين غول في التتبع كانت تزداد مع كل صيد ، إلا أن خصم الـيوم كـان أذكى من سابقيه، و لكن ذكاء الفريسة مهما بلغ، فلن يفيدها الـيوم، فالخبـرة المتراكمة التي اكتسبها نجم الدين عبر سنوات القنص السابقة جعلته في أقدر حالاته ، حتى إنه أصبح يستعين بالريح الخافت ، الذي يكاد يحرك أوراق شجر الصنوبر ، الذي يفترش الغابة في تتبع رائحة فريسته، أخذ نجم الدين يحرك جسمه اللين ، الذي تجاوز الأربعين عاما ، بهـدوء و تأن ، حتى لا يلفت الإنتباه لنفسه ، فسنوات القتال في الجيش العثماني أكسبته القدرة على السيطرة التامة على كل عضلات جسده ، مستغلا إياها في الوصول إلى هدفه ، إن كان قتل العدو ، أو الهروب مـن شدة نيرانه ، و لكن ذلك الزمان قد ولى و راح ، فالحرب اليوم مع فريسة لا تمتلك سوى الهرب إن استطاعت.
أخذ يتحرك أكثر نحو الهـدف الـذي بدا له في الأفق ، وضع بندقيته في وضع التصويب ، الفـوهة كانـت في اتجاه الظبية البيضاء ، التي لم يسعفها هذه المرة إحـساسها الغريـزي بالخطـر المحـدق ، و في لحظة انطلق صوت البندقية، و أصبحت الظبية ذكرى حيوان جاب هذه الغابة، لم يذكر نجم الدين متى كانت آخر مرة فلتت منه فريسة، فمثله لا يمكـن أن يحـدث هذا معه، و لكنه اليوم قد حدث، فلتت منه، لكي تكون فريسة غيره ؛ فالذي أطلق النار لم يكن هو، مـن الذي سبقه إلى فريسته؟ ، أخذ يتساءل ، و هو يتجه نحو جسد الظبـية ، لكن شيئا ما جعله يتمهل، فكان سكون المكان، كان يحذره مــن عـدو خفي لا يراه ، فبدأ يشتم رائحته، اختبأ وراء إحدى أشـجار الصنوبر ، و أخذ ينظر خلسة نحو الفريسة التي أصيبت في فخـذها ، كـان قانـصها أرادها حية ، فلم يصيبها في مقتل كما هي العادة، اقتـرب ثلاثة رجال من الفريسة الملقاة على أرض الغابة و قد استسلمت لقدرها المحتوم ، فلم تبد أية مقاومة، و في حركة سريعة دون تفكيـر تم ربط أطراف الظبية في قطعة خشب ، قد أعدت لهذا الغرض ، ثم حملت، راقـب نجـم الدين الحدث وهو يتساءل عن معنى ما يجري ، فالـرجال الـثلاثة حـتما هـم ليسوا من سكان المنطقة ، أو القرى المجاورة ، فهو لم يرهم من قبل ، فزيهم كان غريبا، أشبه بزي احتفال الكرنفال فـي المدن الأوروبية التي زارها من قبل، كان ذلك الزي أبعـد مـا يكـون عـن زي يرتدى من أجل الصيد، تتبع نجم الدين الرجال و هم يحملون الظبية دون أن يشعروا به ، و بعد مسافة نصف مــل وصـلوا إلى طريق يسده ثل من التلال التي تملأ غابة جعيتا، ذهـب أحـد الرجال إلى ركن من التل كان يكسوه أعشاب و أشجار يافعـة ، نظـر حـوله ثـم عندما شعر بالإطمئنان أزاح الأعشاب و الأغصان ليكشف عن فتحة مغارة دخل منها هو و زملاؤه حاملين فريستهم معهم ، ثم أعيدت الأعشاب و الأغصان إلى سابق عهدها، كل ذلــك كان على مرأى من نجم الدين غول الذي ظل ساكنا يراقب ما يحدث كأنه يراقب صيدا جديدا يوشك أن يطبق عليه..